أنت أنت الله..
إذا ما اتجه الفكر في السمواتـ .. حيث انتثرت النجوم في الليل..
وإذا ماكل البصر فيما لا نهاية له من الأفاق
وإذا ما خشعت النفس من رهبة السكونـ الشاملـ ..
فأنك تشرق بوجهك الكريم .. وتحس بعظمتك النفس الخاشعة المطمئنة
حينئذِ..
تبدو الأفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقة ..
ويتحول السكون إلى نبرات مطربة وتتغنى النفس الخاشعة لتقول..
" أنتــ أنتــ الله "
..
وإذا ما كان المتأمل على شاطئ البحر الخضيمـ ..
وأرسل الطرف بعيدا بعيدا..
حيث تختلط زرقة الماء بزرقة السماء ..
وحيث تتهادى الفلك ذات الشراع الأبيض كأنها طائر يسبح في النعيمـ..
إذ ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة- دونها عظمة البحر الواسع ..
وإذ تقر العين باطمئنان الفلك الجارية على أديم الماء الممهد , وفي رعاية الله تعالى حيث يكون مظهر العظمة , وحيث تطمئن لرؤية ما تطمئن إليه ..
إذ ذاك يدق الفؤاد دقات صداها في النفسـ..
"أنتـ أنتـ الله"
وإذا ما انطلقت السفينة بعيدا في البحر اللجي..
وهبت الزوابع , وتسابقت الرياح , وتلبد بالسحب الفضاء ..
واكفهر وجه السماء ..
وبرق البرق ورعد الرعد وكانت ظلمات بعضها فوق بعضـ..
ولعبت بالسفينة الأمواج , وتربص بها الموت , وأشرفت على الغرقــ
إذ ذاك يشق نورك هذه الظلمات والمسالكـ , وتحيط رأفتك بهذه الأخطار والمهالكـ
وتصل بحبال نجدتك المكروبين البائسين , وإذ ذاك يردد القلب واللسانـ ..
"أنت أنت الله"
وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطت به عناية الأطباء , وسهر الأوفياء ..
ونام بين أمال المخلصينـ , ودعوات المحبينـ ..
ثم ضعفت حيلة الطبيبـ , ولم ينفع وفاء الحبيبـ..
واستحال الرجاء إلى بلاء..
إذ ذاك تتجلى مستويا على عرش عظمتكـ..
والنفوس جازعة , والأيدي راجفة , والقلوب واجفة ..
لتقول :
" أنا قضيتــ "
ويقول الطبيب والحبيب والقريب
لك الأمر..
" أنت أنت الله "
وإذا ما وقعت العين على زهرة تتفتق في الأكمامـ..
أو تلاقت العينـ بعين يملؤها الحسن والابتسامـ..
وإذا أعجب المعجبون بجمال الفجر , وتغريد الطير ..
وعاود الصدر انشراحه , وملا القلب ارتياحه ..
إذ ذاك يشرق في قلوبنا نوركـ الجميل فنراكـ..
" أنتـَ أنتـَ الله "
فيما يمس النفس من مظاهر العظمة , ومظاهر الرحمة , ومظاهر القدرة , ومظاهر الدوام والبقاء , ومظاهر الجمال والجلال..
اعتاد الناس أن يصفوك بالعظيمـ الرحيمـ , والقادر الدائمـ..
والجميل الجليلـ..
وأوتار القلوب تردد ..
" أنتـ أنتـ الله " .