دخلت السيارة -في طريق العودة الى المنزل ..
أغلب الكراسي كانت ممتلئة ..
بـ فتيات قادمات من الجامعة
..
كانت الملابس خير دليلـ ..!
جلست في هدوء بعد القاء السلام ..
كانت الخامسة والنصف مساءًا - قبل المغرب بحوالي الساعة ..
موعد الأذكار
لا أدري كم ينشرح الصدر بمجرد تذكرها !
أشعر كل يوم بأنها الهدية التي يلقيها الرحمن الى يومي ليصفو قليلاً من كدره ورهقه ..
تبسمت في ارتياح كمن يستقبل ضيفًا عزيزا عليه ..
أسندت رأسي الى ركن السيارة وفتحت النافذة قليلًا-فتسلل الهواء المشبع برائحة زهر البرتقال الطيبة التي تنتشر دائمًا في هذا الوقت من العام
سبحان الله ..
كم هي طيبة .. منعشة .. رقيقة - تُذكّرني بالجنّة ..
بدأت في تلاوة الأذكار بهدوء واطمئنان ..
أمسينا ..
وأمسى
الملك لله ..
والحمد لله لا شريك له ..
لا اله الا هو واليه المصير..
أمسينا على فطرة الإسلام..
وكلمة الإخلاص..
وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
وعلى ملّة أبينا إبراهيم حنيفًا
وما كان من المشركين
اللهم
إنّي أمسيت منك في نعمةٍ ، وعافيةٍ ، وستر ..
فأتِمّ عليّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ..
.
.
هي خطٌ مفتوح بين السماء والأرض..
هدية السماء يلقيه الله الى عبده في طريق الحياة ليخرجه من الظلمات الى النور ..
حينما بدأ يرفرف في سماء الطمأنينة والسكينة والراحة ..
لم يقطعه الا..
ذلك الصوت ..
كان على عكس ما أتلو- نافرًا- منفّرًا- مستفزًا !
و..
كانوا - فتيات !!..
أصبح من الطبيعي ان يقوم بعض الشباب بتشغيل بعض الأغنيات التافهة التي لا معنى
لها-كنوع من (الترويح عن القلوب) أثناء رحلة العودة (الشاقة) من الجامعة الى البيت
لكن أن تكون فتاة !
وبمثل هذه الـ - جرأة !
ضحك يصمّ الآذان وأغاني تصمّ القلوب ..
أصبح الأمر غاية الاستفزاز
والجوّ أصبح مكهرب ..
لو كان شابًا لأسمعته من الكلام ما يستحقّ ..
بركان يغلي بداخلي
ما هذا الذي يحدث ؟؟
الأنفال ..
و
بدر ..
و
ذكر الله
و
.
.
هؤلاء ..!!
حاولت منع نفسي-قسرًا عن الكلام والانشغال بالذكر - الا أنّ تفاعلات ما بالداخل أبت
الا ان تعبر عن نفسها ..!
و..
عندما هممت بالحديث..
دوّى الأذان ..!
الله أكبر الله أكبر ..
الله أكبر الله أكبر ..
لا اله الا الله ..
نجدة السماء حلّت بهم حقيقةً ..
وبي ..!
سكتت الأغاني وقت الآذان-فحمدت الله-ورددت خلف المؤذن في راحة بالغة ..
من يسمع ..الله أكبر ثمّ لا يخشع قلبه !
من يسمع لا اله إلا الله فينشغل بمن سواه ويتخذ إالهه هواه !!
من ذا الذي يخدعه الشيطان وتخدعه نفسه-فينصرف عن ذكر الله ؟!!
الله أكبر الله أكبر
ولذكر الله أكبر ..
ولطاعة الله أكبر ..
ولرحمة الله أقرب ..
لا اله الا الله
بنصف راحة وحذر - عدت الى ترديد الأذكار ..
و
عادت الأغاني من جديد ..
وبصوتٍ أعلى هذه المرّة !
بلغت الروح الحلقوم ، والأمر تجاوز الحدّ ..
عرقٌ نافر في جبيني كاد ينثر ما به من دماء ..
بضيقٍ بالغ وبنصف صبر وبنظرةٍ مؤنّبةٍ غاضبة التفتت ناحيتهم..
- ألم تغلقوا الأغاني عندما دوى الأذان ؟
قلن في اندهاش وحذر وكمن يترقب شيئًا..
-بلى ( هم طبعًا لا يعرفون بلى ولا حتى نعم .. قالوا آه يعني )..
قلت مردفًا ..
- فالله أكبر قبل الآذان وبعده !
ألجمهم الصمت ولم أحر جوابًا ، فاكتفيت بما قلت وعدت الى جلستي في اعتدال أكمل ما بدأت
بين الحين والآخر كنّ يهمسن بما لا أستطيع تفسيره إلا أن إحداهم قالت مردفة بلهجةٍ صادقة هامسة ..
-صدقت
----------------------
دخلت السيارة طريق البلدة الطويل الذي يبدأ من محطة القطار ويمتد لمسافة
الكيلومترين بين الأراضي الخضراء الطيبة وحقول البرتقال الزاهرة حتى يصل البلدة
على أوّل الطريق لمحت الوالدة -حفظها الله- في طريق عودتها من العمل الى المنزل
واقفة الى جانب الطريق مع زميلاتها في انتظار سيارة ..
تبسمت لها فتبسمّت وأشرت اليها ..
أوقفت السيارة ونزلت لتركب هي ..
يكفيها حقيقةً ما تلقاه من مشقّة في خدمتنا الدائبة منذ أكثر من عشرين عامًا ،
أسال الله أن يشفيها ويجزيها عن خدمتها لنا خير الجزاء ..
كانت فرصةً طيبة لصلة الرحم ..
عمتي لها بيت في منتصف الطريق تقريبًا ، ليس بعيدًا ولم أزرها كثيرًا في الفترة الأخيرة ..